الزحف الإثيوبي لأسيوط مستمر في احتفالات السيدة العذراء

الزحف الإثيوبي لأسيوط مستمر في احتفالات السيدة العذراء

زحف الإثيوبيون بالأمس إلى مدينة أسيوط في مشهد مهيب، ليشاركوا في زيارة ديري المحرق ودرنكة ضمن احتفالات صوم السيدة العذراء.

وفد واحد فقط ضم أكثر من 16 أتوبيسًا محمّلة بالرموز الدينية الإثيوبية، جاءوا بثيابهم البيضاء التي تفيض وقارًا ورمزًا للسلام الروحي، يحملون في قلوبهم قناعة راسخة بأن الدير المحرق هو ثاني أقدس مكان في العالم بعد مدينة القدس.

هذا الحضور الكثيف لم يكن مجرد مشاركة روحية عابرة، بل هو إعلان جديد عن عمق الارتباط التاريخي بين كنيسة مصر وكنيسة إثيوبيا، ارتباطٌ عمره مئات السنين. فكنيسة مصر هي الأم التي خرجت من رحمها كنيسة إثيوبيا، ومن بطريركية الإسكندرية رُسِم أول مطران إثيوبي، وظلت الكنيسة الإثيوبية تتبع الكرسي المرقسي حتى منتصف القرن العشرين.

إن قداسة الكنيسة المصرية بالنسبة للإثيوبيين ليست أمرًا طقسيًا فحسب، بل هي جذور انتماء وهوية. يرون في مصر الأرض التي احتضنت العائلة المقدسة، والدير المحرق حيث أقامت السيدة العذراء ويسوع الطفل أشهُرًا طويلة، وكأنهم يعودون إلى بيتهم الأول. ولذا يأتون في مواسم الصوم والأعياد بجموعٍ غفيرة، ليؤكدوا أن الطريق إلى الخلاص لا يمر فقط بالقدس، بل يمر أيضًا من بوابة مصر.

غياب الإشارة إلى هذه الترتيبات المهمة في التغطيات الصحفية، والاكتفاء بعرض صور الوفود بزيهم الأبيض، يُفوّت على الرأي العام إدراك حجم العمق الاستراتيجي الروحي بين مصر وإثيوبيا. ففي لحظة يشهد فيها العالم توترات سياسية بين البلدين، تأتي الكنيسة لتذكّر بأن ما يجمع الشعبين أعمق من نزاعات المصالح، وأن رابطة الإيمان يمكن أن تعلو على جدار السياسة.

وجودهم في أسيوط ليس مجرد زيارة، بل هو اعتراف معلن: أن كنيسة مصر هي المرجعية الروحية الأولى لكنيسة إثيوبيا، وأنها ستبقى، مهما اختلفت الظروف، منارة نور تمتد من وادي النيل إلى الهضبة الحبشية