إرهاب الفكرة قبل إرهاب السلاح

لم يعد تنظيم “داعش” مجرد جماعة إرهابية جرى تفكيك معظم وجودها العسكري، بل تحوّل “الفكر الداعشي” إلى وصمة عار وتهمة تلاحق كل من يتبنى التطرف الديني أو المذهبي أو يمارس الإقصاء باسم العقيدة أو المذهب.
لقد صار المصطلح مرادفًا للإرهاب والتعصب والكراهية، ويتجاوز حدود التنظيم العسكري ليشمل كل خطاب أو ممارسة تشر عن الكراهية وترفض التعايش والتسامح.
أبعد من الأفراد
المشكلة لم تكن يومًا في عناصر داعش وحدهم، بل في المنظومة الفكرية التي غذّت التنظيم وأشباهه. فالجماعات يمكن هزيمتها أمنيًا وعسكريًا، لكن الفكر المتشدد الذي تستند إليه يظل قادرًا على إعادة إنتاج نفسه في صور جديدة.
إنه فكر يقوم على التكفير واحتكار الحقيقة وتوظيف الدين والمذهب كأداة للهيمنة والسيطرة، لا وسيلة للهداية والرحمة. هذا النهج يفتح الباب أمام جماعات أخرى قد تظهر تحت مسميات مختلفة، لكنها تحمل الجوهر ذاته من الكراهية والإقصاء وهي تشمل جميع التنظيمات المتطرفة سنية كانت أم شيعية أو كهنوتية.
الداعشية كظاهرة اجتماعية
اليوم لم يعد “الداعشي” بالضرورة من حمل السلاح، بل قد يكون حاضرًا في خطاب متشدد على منبر ديني، أو في كتابات تدعو إلى الكراهية عبر وسائل الإعلام، أو في سلوكيات اجتماعية تُقصي المختلفين على أساس المذهب أو العرق أو الدين. هؤلاء يمثلون الوجه المدني للداعشية، وإن لم ينخرطوا مباشرة في أعمال إرهابية.
ولعل أخطر ما في الأمر هو أن هذه الخطابات قد تجد بيئة حاضنة في بعض المجتمعات التي تعاني من التوترات الطائفية أو الأزمات السياسية أو حتى الحضارية!
من تنظيم إلى تهمة
لقد أصبح الفكر الداعشي بمثابة تهمة سياسية وأخلاقية. فالمجتمعات باتت أكثر وعيًا بخطورته، وصارت تنبذ أي خطاب يقترب من فكره.
يكفي اليوم أن يُتهم شخص ما بـ”الداعشية” حتى يخسر مكانته الاجتماعية والسياسية، وهو تحول مهم لأنه يضع التطرف في موقع الرفض الشعبي، لا القبول أو التعاطف. وهذا الإدراك الجمعي يحاصر التطرف ويمنع إعادة تدويره تحت مسميات جديدة.
المواجهة الحقيقية
المعركة مع الفكر الداعشي لا تختزل في بعدها الأمني أو العسكري، بل هي معركة وعي وفكر بالدرجة الأولى. فالهزيمة الفكرية للتطرف هي الضمانة الحقيقية لعدم عودته.
المطلوب تعزيز خطاب ديني وإنساني قائم على الاعتدال والتسامح، يكشف التلاعب بالنصوص لخدمة أجندات أيديولوجية أو سياسية. كما أن ترسيخ قيم المواطنة والعدالة الاجتماعية والانفتاح على العالم يشكل خط الدفاع الأول ضد التطرف.
تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، وبعض الدول أثبتت أن الاستثمار في التعليم والثقافة ونشر الوعي وتطبيق قانون مناهضة العنصرية والكراهية أكثر فاعلية من الاكتفاء بالمقاربات الأمنية.
خلاصة
داعش قد هُزم كتنظيم، لكن “الداعشية” كفكر لا تزال كامنة في بعض الخطابات والعقول. الخطر الحقيقي ليس في السلاح فحسب، بل في الفكرة التي تمهّد له الطريق.
ومن هنا فإن المواجهة الشاملة تقتضي معالجة الجذور الفكرية والثقافية، لضمان ألّا يعود الإرهاب في ثوب جديد أو تحت راية مختلفة تحت أي دين أو مذهب كان.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة